كتب رضا القلال
منذ ظهور المؤرخ محمود مقديش في منتصف القرن الثامن عشر (1742-1813) لم تعرف صفاقس مؤرخا وضع بصماته الواضحة على تاريخ المدينة الى أن أتى د.علي الزواري، ولم يمر على صفاقس مؤرخ بمنظور “عبقري” مثل د. علي الزواري، الذي سجل مراحل تطور تاريخ صفاقس في ابعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بشكل رائع، من القرن السادس عشر الى نهاية القرن العشرين
كتب د.علي الزواري في عدة مجلات وحاضر في ندوات مختلفة وله ورقات بحثية عن “صفاقس في القرن 16 ” وعن “الملاحة الصفاقسية من القرن 16الى القر19″، وعن “الوافدون على مدينة صفاقس خلال القرنين 18 و19″…. آخر كتاب ألفه صفاقس في القرنين 18 و19، وقائع مدينة متوسطية(2016)، كما نقّح وأثرى كتابه مع يوسف الشرفي “معجم الكلمات والتقاليد الشعبية بصفاقس” صدرت النسخة الأولى سنة 1998، وظهرت النسخة الثانية سنة 2019
وإذا أردنا اختيار عمل واحد فقط من كتبه التاريخية والتراثية ليعبر عن مسيرته الفذة فالانتقاء قد يكون “العلاقات التجارية بين صفاقس والشرق في القرنين 18 و19 الصادر سنة 1990″، فهو حقيقة عمل متوهج، لمؤرخ فذ
ولا يجب ان ننظر الى هذه الأبحاث في أوراقها ومداخلاتها وكتبها بصفتها اعمالا متفرقة، بل من خلال نظرة شمولية كحلقات في مسلسل تاريخي امتد على قرون وأرّخ مجالات متعددة حول صفاقس. ود.علي الزواري مؤرخ باحث مع ما يرتبط بهذا الدور من اشتراطات منهجية قاسية، فقد احتاج الى الاشتغال في اعماله على معلومات اولية بمكتبة متحف الفنون والتقاليد الشعبية بصفاقس(دار الجاولي) وفي الوثائق الخاصة المحلية وخاصة في وثائق العدول، وفي الأرشيف الوطني التونسي والليبي، وفي أرشيف المحاكم الشرعية بالقاهرة والإسكندرية المجمعة بدار المحفوظات
وخاض د.علي الزواري في الستينات من القرن العشريني تجربة معلم حي يتنفس من عبق تاريخ المدينة وضواحيها هو متحف العادات والتقاليد الشعبية بصفاقس، اول متحف من نوعه يفتح بالبلاد التونسية ببادرة من الوزير الشادلي القليبي (1925-2020) والباحث د.محمد المصمودي( 1934-2013) الذي أسس لبناته الاولى. انها تجربة توثيقية تسلط الأضواء على حياة المدينة والأدوات التي ابتكروها لذلك، تشكل بحق مخزونا حيا للذاكرة المحلية يمكن ان ترتوي من مناهله أجيال وأجيال. كما بادر د.علي الزواري الى المحافظة على ما تركه الاولون في صفاقس من أشكال البناء وادواته وهندسته في البرج والجامع والحمام…. لتجسد بحق معالم الماضي المعماري، بل تنبض بروحه. إنه متحف العمارة التقليدية بالقصبة الذي بعثه في التسعينات من القرن الماضي. وبهذين المتحفين ثبّت د. علي الزواري ذاكرة المدينة وسجلّها الحضاري، والجانب المشرق من حياة الأجداد الاولين. لان المتحف يسعى لحماية التاريخ والاقتباس منه، وهو مصدر موثوق لفهم الماضي وسبر أغوار التاريخ وكتابته. والمتحف، برايه، كائن حي ينمو دائما ويتجدد وينبض بالحيوية، ولم يحصل ذلك بعده
ود.علي الزواري، أثناء اضطلاعه بمهام المتفقد الجهوي للتراث بالجنوب الشرقي، كان وراء فتح برج النار، وترميم الجامع الكبير، واستمرار صيانة السور، وعقد الندوات، وتأسيس جمعية أحباء المتاحف، والنشاط الدائم لجمعية صيانة المدينة.الخ…. وبالموازاة مع ذلك مارس د.علي الزواري التعليم أولا، ثم عمل بإذاعة صفاقس منتجا للبرامج التاريخية والتراثية منذ عهد عبد العزيز عشيش ومن بعده، وانتمى الى المجتمع المدني من خلال إدارة احدى الفرق المسرحية
والحصيلة إذا كان لكل مدينة مؤرخ، يرصد ذاكرتها، ويبحث في احداثها واعلامها، فإن د. علي الزواري(مواليد 1935)، هو مؤرخ صفاقس الأول. وهو لا يؤرخ للمدينة ولتراثها فقط، بل يستنبط معاني الزمان والمكان والاحداث والأشخاص ويستخرج دلالاتها. وهذه الورقة المختصرة لا يمكن ان ندرك من خلالها العطاء
اوالمساهمة التاريخية للدكتور علي الزواري في هذه المدينة
الرابط