العنوان : اللامركزية من أجل الديمقراطية : قانون الجماعات المحلية
المؤلف : ناجي البكوش أستاذ في القانون بكلية الحقوق بصفاقس
دار النشر : مجمع الأطرش
لغة : عربي
الإيداع القانوني : 9789938204513
بالرغم من عيوبها، تمثل الديمقراطية أقلّ الحلول سوءا لحكم الشعوب. وثبت أنّه في إطار النظام الديمقراطي، تمكّن اللّامركزية من بناء علاقة جديدة بين الحكّام وبقية المواطنين وتدفع نحو الوعي السياسي والحقوقي في كلّ المناطق الترابية. وبذلك تحلّ الثقة بين الطرفين محلّ الخوف والشوكة التي كان يضمنها السّيف وبطش الحاكم.
الخوف كلّ الخوف على الدولة التونسية من المركزية التي أثبتت فشلها وأوصلت البلاد إلى الوهن لأنّ السلطة المركزية عاجزة عن تحقيق التنمية في المناطق. وبالرغم من فضائل الإصلاحات والخدمات التي تحقّقت غداة الاستقلال، أفقدت المركزية مُسيّري الدولة المصداقية لأنّها فتحت الباب أمام الانحرافات والزبونية وانتهاكات الحقوق ولأنّها بعيدة عن مشاغل المواطن المحلّي.
ولا خوف على الدولة التونسية من اللامركزية لأن التقسيم الترابي لجماعات هو تقسيم وظيفي فرضته الدولة ولا يقوم على هويّات محلّية. كما أنّ الحراك الديمغرافي الذي أحدثه التعليم الموحّد والهجرة الداخلية أضعف الانتماء المحلّي. الدولة تحتاج للّامركزية لتأصيل المواطنة وطنيا ومحلّيا وتحتاج للجماعات للانتعاش مجدّدا لتستعيد الثقة التي كسبتها غداة الاستقلال. إنّ قُوّة الدولة الديمقراطية أصبحت تكمن في قُوّة مؤسساتها اللّامركزية وفي نجاعة تنظيماتها الوسيطة التي لا بديل عنها لأنّها تراقب التصرّف في الشأن العام وفقا للقانون وتساهم في احتواء كُره الخصوم وتحويله لبراهين لإقناع الناخبين.
مسار اللامركزية مليء بالعثرات قد ينجح البعض في تعطيله، ولكنّه توجّه حتمي لأن الديمقراطية وتعميم الحقوق والحرّيات والتنمية توجّه كوني لم يعد بالإمكان الحياد عنه بتعلّة الاستثناء الوطني خاصّة في دولة لا يملك حكامها مواردا لشراء السّلم الاجتماعي. وكلّ تأجيل للّامركزية هو في الواقع رفض مقنّع للديمقراطية ومؤسّساتها. وهو كذلك تأبيد للحكم المطلق الذي يحول دون تحقيق المواطنة فيتواصل تعويل الجماعات على المركز في ظل غياب موارد مالية ذاتية وموارد بشرية تكفل استقلاليتها.